تسليطه على المؤمنين
بسبب ذنوبهم :
ففي الحديث: (إن
الله - تعالى - مع القاضي لم يَجُر، فإذا جار تبرأ منه، وألزمه الشيطان) . رواه الحاكم،
والبيهقي بإسناد حسن (1) .
ويروي لنا أبو
الفرج ابن الجوزي - رحمه الله - عن الحسن البصري - رحمه الله - قصة طريفة، وبغض النظر
عن مدى صحتها فهي تصور قدرة الإنسان على قهر الشيطان إذا أخلصه دينه لله، وكيف يصرع
الشيطان الإنسان إذا ضلّ وزاغ.
يقول الحسن: كانت
شجرة تعبد من دون الله، فجاء إليها رجل، فقال: لأقطعن هذه الشجرة، فجاء ليقطعها غضباً
لله، فلقيه إبليس في صورة إنسان، فقال: ما تريد؟ قال: أريد أن أقطع هذه الشجرة التي
تعبد من دون الله، قال: إذا أنت لم تعبدها فما يضرك من عبدها؟ قال: لأقطعنها.
فقال له الشيطان:
هل لك فيما هو خير لك؟ لا تقطعها، ولك ديناران كل يوم إذا أصبحت عند وسادتك. قال: فمن
أين لي ذلك؟ قال: أنا لك. فرجع، فأصبح فوجد دينارين عند وسادته، ثمّ أصبح بعد ذلك،
فلم يجد شيئاً. فقام غضباً ليقطعها، فتمثل له الشيطان في صورته، وقال: ما تريد؟ قال:
أريد قطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله تعالى، قال: كذبت ما لك إلى ذلك من سبيل.
فذهب ليقطعها،
فضرب به الأرض، وخنقه حتى كاد يقتله، قال: أتدري من أنا؟ أنا الشيطان، جئت أول مرة
غضباً لله، فلم يكن لي عليك سبيل، فخدعتك بالدينارين، فتركتها، فلما جئت غضباً للدينارين
سلطت عليك (2) .
وقد حدثنا الله
في كتابه عن شخص آتاه الله آياته، فعلمها، وعرفها، ثمّ إنه ترك ذلك كله، فسلط الله
عليه الشيطان، فأغواه، وأضله، وأصبح عبرة تروى، وقصة تتناقل: (واتلُ عليهم نبأ الَّذي
آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشَّيطان فكان من الغاوين - ولو شئنا لرفعناه بها
ولكنَّه أخلد إلى الأرض واتَّبع
هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل
القوم الَّذين كذَّبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلَّهم يتفكَّرون) [الأعراف: 175-176] . وواضح أن هذا مثل لمن عرف الحق وكفر به كاليهود الذين يعلمون أن محمداً مرسل من ربه، ثم هم يكفرون به.
القوم الَّذين كذَّبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلَّهم يتفكَّرون) [الأعراف: 175-176] . وواضح أن هذا مثل لمن عرف الحق وكفر به كاليهود الذين يعلمون أن محمداً مرسل من ربه، ثم هم يكفرون به.
أما هذا الذي عناه
الله هنا، فقال بعضهم: هو بلعام بن باعورا، كان صالحاً ثم كفر، وقيل: هو أمية بن أبي
الصلت من المتألهين في الجاهلية، أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يؤمن به حسداً،
وكان يرجو أن يكون هو النبي المبعوث، وليس عندنا نص صحيح يعرفنا بالمراد من الآية على
وجه التحديد.
وهذا الصنف (الذي
يؤتى الآيات ثم يكفر) صنف خطر، به شَبَه من الشيطان؛ لأنّ الشيطان كفر بعد معرفته الحق،
ولقد تخوف الرسول صلى الله عليه وسلم هذا النوع على أمته، روى الحافظ أبو يعلى عن حذيفة
بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن مما أتخوف عليكم رجلاً قرأ القرآن
حتى إذا رئيت بهجته عليه، وكان رداؤه الإسلام اعتراه إلى ما شاء الله انسلخ منه، ونبذه
وراء ظهره، وسعى على جاره بالسيف، ورماه بالشرك) . قال: قلت: يا رسول الله: أيهما أولى
بالسيف: الرامي أم المرمي؟ قال: (بل الرامي) ، قال ابن كثير: وهذا إسناد جيد (3) .
_________
(1) انظر صحيح
الجامع: 2/130.
(2) تلبيس إبليس:
43.
مقال من كتاب عالم الجن والشياطين - للدكتور / عمر الأشقر
(3)
انظر تفسير ابن كثير: 3/252.
مقال من كتاب عالم الجن والشياطين - للدكتور / عمر الأشقر