((الأدلة على العلاج))
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله .
انتشر في هذا الزمان السحرة والمشعوذون والدجالون وكثر أذاهم وراجت بضاعتهم الشيطانية ، وذلك بسبب بعد المسلمين عن دينهم وإتباعهم للشهوات حتى اجتالتهم الشياطين ، فمن الواقع المر في هذه الأيام أنك تجد أنه إذا تزوج المسلم من امرأة ثانية ذهبت الزوجة الأولى إلى الساحر حتى تربط زوجها عن ضرتها وإذا لم تنجب المرأة تذهب إلى الضريح الفلاني وتذبح له الذبائح ، وإذا أصاب إنسان ما صرع ذهب به إلى القسيس أو المشعوذ ودفع له المبالغ الخيالية وإذا أصيبت المرأة بمس من الجان ذهبت إلى حفلات الزار والرقص حتى ترضي قرينها الشيطان ، هذه هي حال المسلمين في هذا الزمان إلا من رحم الله .
وفي المقابل كثر القراء فمنهم من سار على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومنهم من ابتدع في العلاج أسماء وأرقاماً وأعداداً لم ترد إلا على ألسنة الشياطين أو من كتب السحر والشعوذة، وألف بعض هؤلاء الرقاة الكتب وفيها الغث والسمين ، ولاحظت كثيراً من الرقاة هداهم الله تعالى أنهم يتحفظون على ما من الله به عليهم من علم في هذا الباب ، ومنهم من له السنوات الطوال وهو يرقي المرضى وليس عنده طالب علم يعلمه ، بل منهم من يغضب إذا ما سئل عن أمر من أمور الرقية ، ومنهم من كان يقرأ الرقية بصوت مسموع وعندما اجتمع عنده طلبة العلم أسر بقراءة الرقية حتى لا يتعلم منه أحد ، جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " رواه الترمذي وأبو داود واحمد ؛ يقول الشافعي رحمه الله تعالى :
وقيل ما صين العلم بمثل بذله لأهله ، ومن كتم العلم فكأنه جاهله ، وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يعلم الصحابة من غير سؤال فكان يقول لابن عباس يا غلام إني أعلمك كلمات .. الحديث ، وكان يقول لأبي سعيد ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن .. الحديث ، وعن الحسن البصري رحمه الله تعالى قال: " لأن أتعلم باباً من العلم فأعلمه مسلماً أحب إلي من أن تكون لي الدنيا كلها في سبيل الله تعالى ".
إن تعليم علم الرقية لمن يوثق في علمه ودينه وأمانته أصبح ضرورة ملحة ، فلله كم من عروس طلقت ، وكم من أرحام قطعت ، وكم من أهل بيت شتت شملهم ومزق جمعهم ، وكم من امرأة شريفة إلى الرذيلة دفعت ، وكم من قلوب الرجال على الفواحش هيجت ، وما هذا إلا بسبب انتشار السحرة والمشعوذين وكثرة التلبس والإصابة بالعين المقرونة بالشياطين ، وفي تعليم الرقية إحياء لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، هذا الأسباب مجتمعة مع أسباب أخرى كثيرة كانت السبب وراء إنشاء هذا الموقع ، والذي رأيت أن أجمع فيه ما أظن أنه ينفع المعالج والمريض مما جاء في بعض تلك الكتب ومما من الله به علي من تجربة ومشاهدة لعل الله أن ينفع به وأن يجعله من العلم الذي ينتفع به ، يقول صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" ، فما كان فيه من صواب فمن الله وحده وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان .
الرقية والرقــاة
أعجب من أناس يقفون كالسد المنيع بين المرضى وبين والذهاب إلـى الرقاة ، وكأن هذا المريض سوف يذهب إلـى ساحر أو كاهن أو مشعوذ ، ويدندن بعضهم ويزعمون أنه لا حاجة للمريض لأن يذهب لمن يرقيه ، ويكفي أن يرقي المريض نفسه أو أن ترقيه زوجته والزوج يرقي زوجته والأخ يرقي أخته ، وهذا سوء فهم ونظرة غير صائبة ورأي خاطئ ، فإن الأمراض التي تعتري النفس البشرية ليست بالمتشابهة ، والمرضى ليسو سواء في العمر والعلم والمعرفة . فهل من به عين خفيفة كمن هو مصاب بمس من شيطان متمرد؟ .
وإن في بعض الحالات يستخف الشيطان بعقل المريض فلا يرقي نفسه ولا يقبل أن يرقيه أحد من أقاربه ، وفي بعض الحالات يصرع الشيطان المريض ويغيب عن وعيه أو يضيق عليه صدره بمجرد أن يهم بالصلاة أو قراءة القرآن أو ينوي أن يستخدم بعض العلاجات التي تزعج الجن ، وفي بعض الحالات لا يستطيع أن يرقي المريض نفسه من شدة المرض .
ومن الناس من لا يعرف ما هي الرقية أو ماذا يقرأ ، ومن الناس من لا يقرأ ولا يكتب ولا يحفظ الرقية. ومن الناس من يخشى الجن فضلاً عن حضور الشيطان على جسد المريض . ومن الناس من لا يعرف كيف يتعامل مع الجان إذا حضر . ومن الناس لو قرأ على مريضه لا يحسن التشخيص ولا يعلم من الذي يتحدث معه الجني أم المريض نفسه ، ولا يعلم إذا ما كان المريض مصاب بالمس أو السحر أو العين ، ومعرفة المرض نصف العلاج في الغالب .
وكثير من الناس لا يعرفون المنهج الذي ينبغي أن يتبعه في علاج المريض، وكيف يعرف الراقي إن لم يكن من أهل الخبرة والتجربة حضور الجان وانصرافه وصدقه من كذبه ؟.، وماذا لو حضر الجان على جسد المريض ( المريضة ) وتفلت وضرب القارئ وفعل به الأفاعيل . وأنا اسأل هل في رقية من به مس من الجان خطر على الراقي ..؟ .
أسئلة عامة لا يعرف الجواب عليها العوام من الناس عندما يرقون أنفسهم أو مرضاهم :
هل المريض مصاب بعين ، مس ، سحر ، مرض عضوي ، مرض عضوي بسبب العين أو السحر أو الجن ؟.
لو كان المرض مسحوراُ فهل السحر خارجي ( مدفون ، مرشوش ، منثور ، معلق على الأشجار .. الخ ) أو السحر داخلي ( مأكول ، مشروب ، مشموم ) ؟.
إضافة إلى الرقية ، ما هو علاج السحر الداخلي الذي هو سبب من بعد إذن الله تعالى في استفراغ السحر؟.
هل الشيطان مربوط في الجسد بسحر أو عين ؟ ، وهل شياطين السحر خارج الجسد أم داخل الجسد ؟.
ما هي الخطوات التي ينبغي أن يتبعها الراقي قبل الرقية وبعد الرقية من تحصين وإخراج التماثيل والصور .. الخ .
ماذا يقرأ من الآيات على من به عين؟ .
ماذا يقرأ من الآيات على من به سحر ؟.
ماذا يقرأ من الآيات على من به تلبس حقيقي؟ .
واختم القول بأنه ينبغي على المريض أن يرقي نفسه وأن يرقيه من يحسن الرقية من معارفه في حالات العين والأمراض العضوية .
أما في حالات السحر والمس المتمرد فينبغي للمريض أن يرقي نفسه إذا كان يستطيع ذلك وأن يذهب لمن يرقيه من الرقاة حتى يعينه وينفعه بخبرته وإرشاداته ورقيته من بعد إذن الله تعالى ، وانصح بأن لا يرقيه شخص أعزل من التحصين والذكر ، أو غير ملم في أمور السحر والسحرة والمردة والشياطين ومكرهم فإن في ذلك خطر على نفسه وأهله بل وعلى المريض نفسه ، ولا مانع أبداً من أن يرقي الزوج زوجته أو الأخ أخته أو أحد محارمه إذا كان عنده علم ودراية في الرقية .
ومن المؤسف أنه استغل بعض الرقاة القراءة الجماعية لمصالح شخصية وعلى رأسها التجارة ، أعني بيع الماء والزيت والعسل والحبة السوداء وبعض الأعشاب المركبة بأسعار مبالغ فيها ، إضافة إلى فتح الملف وتذكرة الدخول ، ومن القراء من تجاوز حد المبالغة في القراءة والنفث ، فمنهم من أوقف ( وايت ) ماء أمام المقر ينفث فيه بعد الرقية ويبيع الماء بالكميات ، ومن الرقاة من ينفث على العلب المغلقة والأوعية الكبير ( برميل ، خزان ماء ) ، ومنهم من يرفض النفث على الماء والزيت والعسل الذي يحضره المريض معه لأنه يجب على المريض أن يشتري من الدكان الموجود في المقر ، ومنهم من يطلب المبالغ للقراءة الجماعية والمبالغ الكبيرة للقراءة الخاصة ، ومنهم من يبيع الـمحو الذي عمل بأختام خاصة وبأسعار خيالية ، وهذا منعطف سيئ وأخذ لأموال المسلمين بأساليب غير كريمة ، يقول الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني : واشتط آخرون ؛ فاستغلوا هذه العقيدة الصحيحة وألحقوا بها ما ليس منها مما غير حقيقتها ، وساعدوا بذلك المنكرين لها … وجعلوها مهنة لهم لأكل أموال الناس بالباطـل ا.هـ.
ومثل أولئك الرقاة مع أنهم قليلون لا كثرهم الله ، فتحوا الباب على مصراعيه لكل ناعق يريد الطعن بالرقاة سواء من المتفيقهين من طلبة العلم أو من فسقة الأطباء وجهلتهم وغيرهم من المنكرين .
وكم أتمنى أن يتدخل ولاة الأمور ويمنعوا هذا الصنف من الرقاة من المتاجرة باسم الرقية، ولا أعني منعهم من القراءة فلعل الله أن ينفع بهم المسلمين ، وأنا أظن بأن البعض منهم سوف يتوقفون عن الرقية إذا ما منعوا من البيع وأخذ الأموال من المرضى ، وعندها يعلم من يبكى ممن يتباكى.ولا أعني أولئك الذين يضطرون لأخذ مبالغ قليلة ومعقولة لتغطية مصاريف وإحتاجات المقرات المستأجرة .
فهذه السلبية وغيرها جعلت الكثير يدندنون حول منع الرقية الجماعية ويزعمون أن هناك تجاوزات شرعية تحصل عند بعض الرقاة خصوصا عند التعامل مع النساء ، والتخبط في التشخيص ويزعمون أن أكثر المرضى حالات نفسية وأنه يمكن للمصاب أن يقرأ على نفسه.
ولعل من أهم أسباب هذه المواقف السلبية تجاه الرقاة هو الجهل بالواقع وبما يحصل للناس من معاناة وأمراض وأسقام وأوهام ووساوس وسهر بسبب المس والسحر والعين ، وهذه الأمور لا تعالج عند الأطباء ، ولو أن أحدهم تمعن في قول الله تعالى على لسان أيوب :" وَاذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيّوبَ إِذْ نَادَىَ رَبّهُ أَنّي مَسّنِيَ الشّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ" [ص:42]، لعلم أن الشيطان إذا ما تسلط على ابن آدم نغص عليه عيشه ، وضيق عليه صدره وصرفهُ عن طاعة مولاه ، ولو تفكر أحدهم بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم :" أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله وقضائه وقدره بالأنفس "، لعلم أن كثيراً من الأمراض أصلها بسبب العين وليس الخبر كالمعاينة .
ولعل السبب في جهلهم في هذا الواقع أن أحدهم لم يبتلِ في نفسه أو في قريب له حتى يعلم مدى المعاناة وجهد البلاء ، وحتى يعلم حقيقة أنه ليس كل المرضى يستطيعون أن يرقوا أنفسهم ؛ عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بقل هو الله أحد وبالمعوذتين جميعا ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يداه من جسده قالت عائشة فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به . ويقول ابن القيم : وكان شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله إذا اشتدت عليه الأمور: قرأ آيات السكينة . وسمعته يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه ، تعجز العقول عن حملها – من محاربة أرواح شيطانية ، ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف قوة – قال: فلما اشتد علي الأمر قلت لأقربائي ومن حولي : اقرأوا آيات السكينة ، قال: ثم أقلع عني ذلك الحال ، وجلست وما بي من قلبة. وفي كتب السيرة أن أبا الوليد عتبة بن ربيعة بُعث من قبل مشركي قريش ليساوم الرسول صلى الله عليه وسلم وكان من مما قال :إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ... حتى قال: وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه ، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه ، وكيف يرقي المريض نفسه والجان يحضر حضوراً كاملا كلما هم في ذكر الله تعالى فضلاً عن أن يرقي نفسه ، كيف يرقي المريض نفسه وهو مجنون لا يعقل ، كيف يرقي المريض نفسه وهو يرى حروف القرآن تميل يمينا وشمالا ، كيف يرقي المريض نفسه وهو يشعر وكأن على صدره جبال الدنيا من الضيق والحرج ، كيف يرقي المريض نفسه وهو لا يقرأ ولا يكتب ولا يحفظ الرقية ، كيف يرقي المريض نفسه والشيطان يضيق عليه من داخل جسده وفي الحديث عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ لَمَّا اسْتَعْمَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الطَّائِفِ جَعَلَ يَعْرِضُ لِي شَيْءٌ فِي صَلاتِي حَتَّى مَا أَدْرِي مَا أُصَلِّي فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ رَحَلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال:َ ابْنُ أَبِي الْعَاصِ قُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا جَاءَ بِكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَرَضَ لِي شَيْءٌ فِي صَلَوَاتِي حَتَّى مَا أَدْرِي مَا أُصَلِّي قَالَ ذَاكَ الشَّيْطَانُ ادْنُهْ فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَجَلَسْتُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيَّ قَالَ فَضَرَبَ صَدْرِي بِيَدِهِ وَتَفَلَ فِي فَمِي وَقَالَ اخْرُجْ عَدُوَّ اللَّهِ فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ الْحَقْ بِعَمَلِكَ قَالَ فَقَالَ عُثْمَانُ فَلَعَمْرِي مَا أَحْسِبُهُ خَالَطَنِي بَعْدُ . رواه ابن ماجة في سننه . ونهش الصحابي عبدالرحمن بن سهل بجريرات الأفاعي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلوا إلى عمارة بن حزم فليرقه قالوا يا رسول الله إنه يموت قال وإن فذهبوا به إليه فشفاه الله .
وهل يظن أن تلك الجموع الغفيرة التي تطرق أبواب الرقاة في كل يوم وليلة أنهم من السذاجة والغباء إذ يضيعون أوقاتهم وأموالهم دون نفع أو فائدة ، وهل يظن أن كل هذه الجموع لم تطرق أبواب المستشفيات والمصحات النفسيه ، ولعل طلبة العلم يعجبون إذا ما علموا أن بعض أولئك المراجعين هم من الأطباء وطلبة العلم والقضاة، وأن البعض منهم دفع عشرات الألوف بل لا أبالغ إن قلت أن البعض منهم قد دفع مئات الألوف تكاليف للعلاج و الأدوية والأشعة والتحاليل دون فائدة ؛ ولم يجدوا الراحة والطمأنينة إلا بعدما أن رقاهم الرقاة المخلصين بكتاب الله تعالى .
أما ما يذكر عن بعض التجاوزات التي تحصل عند القراءة على النساء فهي تجاوزات فردية تحصل عند بعض الرقاة هداهم الله تعالى ، ولا تعمم على كل الرقاة ، والغالب أنها تحصل بدون قصد ، وما هو حاصل عند بعض الأطباء والسحرة والمشعوذين من كشف على عورات المسلمات والعبث في مواضع العفة منهن بحجة الكشف والتشخيص لا يقارن أبداً ببعض الهفوات التي قد تحصل من بعض الرقاة ، ومع ذلك ومع الأسف أنك لا تسمع طعنا أو تنديداً من أولئك الذين يزعمون أنهم من طلبة العلم .
عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الاسْتِطَالَةَ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ. ومما يجهله طلبة العلم أن الشيطان إذا ما تلبس المرأة فإن تأثيره عليها بالغواية يكون أكبر ، وربما صرعها وكشف عنها ثيابها على مشهد من الرجال ، وحديث أم زفر شاهد على هذا الكلام فعند مسلم عن عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَلا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قُلْتُ بَلَى قَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي قَالَ إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ قَالَتْ أَصْبِرُ قَالَتْ فَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ لا أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا. رواه مسلم ، وعند البزار عن ابن عباس أنها قالت : إني أخاف الخبيث أن يجردني .
ومنهم من يحتج ويزعم أن الرقاة ليسوا من طلبة العلم فهذا ليس بصحيح فأكثرهم إن لم يكن كل من في الساحة من الرقاة المعروفين هم على دراية طيبة في أمور دينهم وإن لم يطلق عليهم طلبة علم ، وليس من شروط الرقية أن يكون الراقي من العلماء أو من طلبة العلم المعروفين ، يقول صلى الله عليه وسلم ( اعرضوا على رقاكم لا بأس بالرقى مالم يكن فيه شرك ) رواه مسلم ، وفي موطأ مالك أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ تَشْتَكِي وَيَهُودِيَّةٌ تَرْقِيهَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ ارْقِيهَا بِكِتَابِ اللَّهِ. فالعبرة بالرقية وليس بالراقي، ولكن ينبغي أن يكون الراقي عنده من العلم ما يجعله يميز بين السنة والبدعة ، ومن العلم ما يجعله في حيطة من تلبيس وإستدراج الشياطين .
وفي تحفة الأحوذي: عن عُمَيْرٍ مَوْلَى أبِي اللّحْمِ، قال: "شَهِدْتُ خَيْبَرَ مع سَادَتي فكلّمُوا فيّ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم وكَلمُوهُ أنّي مَمْلُوكٌ. قال: فأَمَرَني فَقُلّدْتُ السّيْفَ فإذا أنا أَجُرّهُ فأَمَرَ لي بِشَيْءٍ من خرثى المتَاعِ، وعَرَضْتُ عليه رُقْيَةً كُنْتُ أرْقِي بِهَا المجَانينَ، فأَمَرَنِي بِطَرْحِ بعضِها وحَبْسِ بعضِها". وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
قوله: (عن عمير) بالتصغير قال في التقريب: عمير مولى آبي اللحم الغفاري صحابي شهد خيبر" السنة السابعة للهجرة" (فكلموا فيّ) بتشديد الياء (وكلموه أني مملوك) قال الطيبي: عطف على قوله، فكلموا فيّ، أي كلموا في حقي وشأني أولاً بما هو مدح لي، ثم أتبعوه بقولهم إني مملوك انتهى (فقلدت السيف) بصيغة المجهول من التقليد، قال في المجمع: أي أمرني أن أحمل السلاح وأكون مع المجاهدين لأتعلم المحاربة: فإذا أنا أجره، أي أجر السيف على الأرض من قصر قامتي لصغر سني (وعرضت عليه رقية كنت أرقي بها المجانين فأمرني بطرح بعضها وحبس بعضها) أي بإسقاط بعض كلماتها التي تخالف القرآن والسنة: وإبقاء بعضها التي ليست كذلك، وفيه دليل على جواز الرقية من غير القرآن والسنة بشرط أن تكون خالية عن كلمات شركية وعما منعت عنه الشريعة.
يقول الشيخ عبدالله بن جبرين : الصواب أنه يجوز استعمال الرقية من كل قارئ يحسن القرآن ويفهم معناه ويكون حسن المعتقد صحيح العمل مستقيما في سلوكه، ولا يشترط إحاطته بالفروع ولا دراسته للفنون العلمية ، وذلك لقصة أبي سعيد في الذي رقى اللديغ قال : وما كنا نعرف منه الرقية أو كما قال ، وعلى الراقي أن يحسن النية وأن يقصد نفع المسلم ولا يجعل همه المال والأجرة ليكون ذلك أقرب إلى الإنتفاع بقراءته ، والله أعلم أ.هـ.
ويقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين : الذي أرى أنه لا يشترط أن يكون من أهل العلم إذا كان حافظا لكتاب الله معروفا بالتقى والصلاح ولم يقرأ إلا بالقرآن أو ما جاء عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم فلا بأس، وليس من شرطه أن يكون عالما ، وبعض العلماء يكون عالما لكن في القراءة يكون أقل من الآخرين أي من بعض الناس ا.هـ.
إن حاجة الأمة للرقاة توازي الحاجة للأطباء فينبغي على العلماء وطلبة العلم الشرعي والأطباء المخلصون أن يأخذوا بأيدي الرقاة بالنصح والإرشاد وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وإيضاح التجاوزات الشرعية وعدم التضيق عليهم أو الطعن بهم ، فإنهم على ثغرة وجهاد مع السحرة والشياطين نسأل الله لهم الثبات والتوفيق وإخلاص النية ، فكم من مكروب نفس عنه ، وكم مسحور فك من عقال السحر ، وكم من معيون فرج الله عنه بسبب هؤلاء الرقاة ، فإن وجد عند بعضهم من أخطاء وتجاوزات وسلبيات فهي لن تكون بأي حال من الأحوال بأكثر من إيجابياتهم ومنفعتهم للمسلمين ولن يوازوا السحرة والمشعوذين في كفرهم ودجلهم، ومما لا شك فيه عندي سوف يلوذ بهم المرضى إذا ما أغلق باب الرقية .
يقول صاحب كتاب القواعد الشرعية في مقدمة كتابه : برزت الحاجة الشديدة في الآونة الأخيرة إلى فتح عيادات قرآنية، وتنظيم القراءة وتقعيدها بعد أن اتسع مجالها وتشعب ، وهذا لا ينضبط إلا بالكشف عن الأصول والقواعد شأن الرقية شأن غيرها من العلوم الإسلامية تحتاج إلى ضبط وتقعيد ، ففي الوقت الذي اتجهت فيه العلوم الإسلامية إلى التأصيل كان علم الرقية أذكاراً وأدعية مأثورة منثورة في كتب الأذكار والحديث ولم يكن علماً مصنفا ! لأن تصنيف أي علم على حسب حاجة الناس إليه ولم يكن المجتمع الإسلامي الأول في حاجة إلى علم الرقية الشرعية لأنهم كانوا يمارسون الأذكار جل وقتهم حتى أن بيوتهم لأشبه بدوي النحل ، أما في وقتنا الحاضر فقد كثرت مغريات الحياة وصارت هي شغل الناس الشاغل ، ونقضت كثيرٌ من عرى الإيمان ، وقلت الأذكار، وحينئذ وجد الشيطان فرصته السانحة للانقضاض على القلوب الفارغة من ذكر الله ، فكثر المس الشيطاني وعجز الطب عن العلاج ، وانتشرت المصحات النفسية ، فطرق كثير منهم أبواب السحرة والمشعوذين ولكن دون جدوى ، فقام بعض الرقاة بفتح أبوابهم للرقية الشرعية وانفتح لهم باب أمل بعد يأس أ.هـ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنواع المس والإقتران
أنــواع المـس والاقتــران
1. المس الطائف .
2. المس العارض .
3. الاقتران الدائم ( التلبس الحقيقي ) .
4. المس الخارجي.
5. المس المتعدي
6. المس الوهمي .
7. المس الكاذب ( التمثيلي ).
أنواع المـس والاقتران
المس الطائف:
يقول الله تعالى في سورة الأعراف: } وَإِماّ يَنَزَغَنّكَ مِنَ الشّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنّ الّذِينَ اتّقَواْ إِذَا مَسّهُمْ طَائِفٌ مّنَ الشّيْطَانِ تَذَكّرُواْ فَإِذَا هُم مّبْصِرُونَ{ وقال تعالى في سورة قد أفلح المؤمنون :} ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ السّيّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ * وَقُلْ رّبّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشّياطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبّ أَن يَحْضُرُون{ وقال تعالى في سورة فصلت :} وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السّيّئَةُ ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنّهُ وَلِيّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقّاهَا إِلاّ الّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقّاهَآ إِلاّ ذُو حَظّ عَظِيمٍ * وَإِمّا يَنزَغَنّكَ مِنَ الشّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنّهُ هُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ {. يقول ابن كثير في تفسيره: يخبر تعالى عن المتقين من عباده الذين أطاعوه فيما أمر وتركوا ما عنه زجر أنهم إذا مسهم أي أصابهم طيف وقرأ الاخرون طائف وقد جاء فيه حديث وهما قراءتان مشهورتان فقيل بمعنى واحد وقيل بينهما فرق ومنهم من فسر ذلك بالغضب ومنهم من فسره بمس الشيطان بالصرع ونحوه ومنهم من فسره بالهم بالذنب ومنهم من فسره بإصابة الذنب وقوله تذكروا أي عقاب الله وجزيل ثوابه ووعده ووعيده فتابوا وأنابوا واستعاذوا بالله ورجعوا إليه من قريب " فإذا هم مبصرون" أي قد استقاموا وصحوا مما كانوا فيه.
المس العارض:
هو تلبس حقيقي عارض ، يتلبس الجني الإنسي ساعات من النهار أو الليل ثم يخرج من جسده ثم يعود إليه مرة أخرى في اليوم التالي أو بعد أسبوع أو بعد شهر أو بعد سنة ، أو أنه يخرج ولا يعود ، لا أعاده الله.
ومن المعلوم بالمتابعة أن بعض المرضى يشعرون بخروجه من أجسادهم على شكل ريح قوية تخرج من الفم أو رعشة شديدة في أحد قدميه ..الخ ، خصوصاً عندما يعلم الشيطان أنه سوف يقرأ على المريض فإنه يهرب من جسده .
الاقتران الدائم ( التلبس الحقيقي ) :
اقتران دائم يسكن الجني في عضو من أعضاء الإنسان كالبطن والرأس والساق والأرحام والعمود الفقري أو يكون منتشراً في جميع جسمه من أعلى رأسـه الى أخمص قدمه ، لا يفارق صاحبه أبدا فهو معه في الليل والنهار كعضو من أعضاء جسده.
لمس الخارجي:
يتسلط الشيطان على الإنسان من خارج جسده بصورة دائمة أو عارضة ، روى مسلم في صحيحه عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كُنَّا إِذَا حَضَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا لَمْ نَضَعْ أَيْدِيَنَا حَتَّى يَبْدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَضَعَ يَدَهُ وَإِنَّا حَضَرْنَا مَعَهُ مَرَّةً طَعَامًا فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ كَأَنَّهَا تُدْفَعُ فَذَهَبَتْ لِتَضَعَ يَدَهَا فِي الطَّعَامِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهَا ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ كَأَنَّمَا يُدْفَعُ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لا يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ جَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا فَجَاءَ بِهَذَا الأعرابيِّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ يَدَهُ فِي يَدِي مَعَ يَدِهَا ، وقد يتشكل الجني على صورة إنسان أو حيوان فيمس الإنسي ، أو يجلس الشيطان على كاهل الإنسان فيجد صعوبة في الحركة أو يسبب له ضيقاً في الصدر ووسوسة وعصبية أو يأتي الإنسان عند النوم ويضغط على منطقة الحركة في المخ فيشعر الإنسان بحالة من الشلل ولا يستطيع أن يتكلم أو يصرخ أو يتحرك وهو ما يسمى (بالجاثوم ) ، أو يتشكل الشيطان على صورة حيوان صغير يتحرك بين ثياب الإنسان وجسده ، وقد يتسبب في جرحه وضربه أو ينفخ في وجهه أو يفزعه ويخيفه فلا يستطيع النوم أو تتشكل الجنية على شكل امرأة جميلة فتطلب الجماع من الإنسي أو العكس ، وتكون القراءة على المصاب بهذا النوع من المس بنية الطرد والتحصين وإبطال السحر .
المس المتعدي :
يكون الشيطان مقترنا بشخص ما ، ولكن لسبب أو آخر نجده يتسلط على شخص في الغالب له علاقة بالشخص المقترن به ، وبهذا يتعدى شره إلى أكثر من شخص فيسمى المس المتعدي ، وليس بالضرورة أن يكون تعدي المس من نفس الجني الذي هو متلبس بالمريض ولكن ربما يكون بسبب أتباع ذلك الشيطان ، وربما تلبس الجني الإنسان من الخارج وأثر عليه ولم يدخل فيه .
المس الوهمي :
يحصل الصرع الوهمي نتيجة معاشرة أو مشاهدة الإنسان السليم للمصروعين في الغالب ، أو عندما يوهم المعالج المريض بأنه مصاب بمس من الجان ، عندها تحصل لهذا الإنسان فكرة ثم وسوسه ثم وهم ، فيتوهم بأنه مصاب بالمس، وربما تستغل بعض الشياطين هذا الوهم بأن تتسلط على عقله حتى تجعله يظن أن الأمر حقيقة ، وما يكاد أن يقرأ عليه الراقي حتى يسقط ويصرخ ويتخبط بالأقوال والأفعال ويتقمص تصرفات المصاب بالمس وقت القراءة فيترك الحليم حيران ، وفي الحقيقة هذه إحدى سلبيات القراءة الجماعية والتشخيص الخاطئ و الخوف من الجان .
يذكر صاحب كتاب الطرق الحسان : إن مرض الوهم إذا أصاب الإنسان كان أخطر عليه من المرض الحقيقي ، لأن مس الجن يزول بفضل الله أمام الرقية بالقرآن، أما مريض الوهم ، فهو في دوامة لا تنتهي .. فإذا تملك الوهم بإنسان بأن به مسـاً من الجن أو أنه مسحور ، يتشوش فكره وتضطرب حياته ، وتختل وظائف الغدد ، وتظهر عليه بعض علامات المس أو السحر ، وربما يحدث له تشنجات أو إغماء ويسمى في علم النفس الحديث ( الإيحاء الذاتي ) أ.هـ.
يقول ابن القيم: اعلم أن الخطرات والوساوس تؤدي متعلقها إلى الفكر فيأخذها الفكر فيؤديها إلى التذكر ، فيأخذها الذكر فيؤديها إلى الإرادة فتأخذها الإرادة فتؤديها إلى الجوارح والعمل فتستحكم فتصير عادة ، فردها من مبادئها أسهل من قطعها بعد قوتها وتمامها … فإذا دفعت الخاطر الوارد عليك اندفع عنك ما بعده ، وإن قبلته صار فكرا جوالا فاستخدم الإرادة فتساعدت هي والفكر على استخدام الجوارح فإن تعذر استخدامها رجعا إلى القلب بالتمني والشهوة وتوجهه إلى جهة المراد . ومن المعلوم أن إصلاح الخواطر أسهل من إصلاح الأفكار ، وإصلاح الأفكار أسهل من إصلاح الإرادات ، وإصلاح الإرادات أسهل من تدارك فساد العمل ، وتداركه أسهل من قطع العوائد ، فأنفع الدواء أن تشغل نفسك في ما يعنيك دون ما لا يعنيك … وإياك أن تمكن الشيطان من بيت أفكارك وإيراداتك فإنه يفسدها عليك فسادا يصعب تداركه ويلقي إليك أنواع الوساوس والأفكار المضرة ، ويحول بينك وبين الفكر فيما ينفعك ، وأنت الذي أعنته على نفسك بتمكينه من قلبك وخواطرك فملكها عليك أ.هـ.
المس الكاذب ( التمثيلي ) :
تجد بعض المراجعين من يصرع وقت القراءة ويقول أنا الجني الفلاني وأنا خادم سحر ولن أخرج حتى يحصل كذا وكذا .. وفي الحقيقة الذي يتكلم الإنسان وليس الجني ، وهو يمثل على الراقي بأنه جني ، والغاية من هذا الصرع التمثيلي في الغالب من أجل أن يعامل هذا الإنسان معاملة خاصة ويلفت أنظار مَنْ حوله إليه ، أو حتى يستجاب لطلباته ، أو لتعرضه لمشاكل أو لصدمات عاطفية أو نفسيه، أو لينسب أفعاله القبيحة إلى تسلط الشياطين عليه أو لغاية أخرى ، ومثل هذا الإنسان في خطر عظيم لأنه عرضة للتلبس الحقيقي الانتقامي حيث أن الجن يعتبرون هذا التمثيل استهزاء وسخريه بعالمهم .
يقول الجاحظ : بلغنا عن عقبة الأزدي أنه أتي بجارية قد جنت في الليلة التي أراد أهلها أن يدخلوهـا إلى زوجها ، فعزم عليها ، فإذا هي قد سقطت ، فقال لأهلها أخلو بي بها ، فقال لها ، أصدقيني عن نفسك وعلي خلاصـك .
فقالت إنه قد كان لي صديق وأنا في بيت أهلي ، وأنهم أرادوا أن يدخلوا بي على زوجي ولست ببكر ، فخفت الفضيحـة . فهل عنك من حيلة في أمري ؟ .
فقال نعـم ، ثم خرج إلي أهلها ، فقال إن الجني قد أجابني إلى الخروج منها ، فاختاروا من أي عضو تحبون أن أخرجه من أعضائها ، واعلموا أن العضو الذي يخرج منه الجن لا بد وأن يهلك ويفسد ، فإن خرج من عينها عميت ، وإن خرج من أذنها صُمت ، وإن خرج من فمها خرست، وإن خرج من يدها شلت ، وإن خرج من رجلها عرجت ، وإن خرج من فرجها ذهبت عذرتـها.
فقال أهلها : ما نجد شيئاً أهون من ذهاب عذرتـها ، فأخرج الشيطان من فرجها، فأوهمهم أنه فعل ، ودخلت المرأة على زوجها .
والفرق بين الصرع النفسي والصرع التمثيلي وبين الصرع الحقيقي أن المصروع لا يجيد حركات الجن من حيث التخبط والكلام وقت الصرع ، كالسقوط إن كان واقفا أو طرف العين وارتعاد الجسد ورعشة الأطراف وأسلوب الكلام وسرعة الجواب وطريقة خروج الجني من الجسد كما يزعم ، أما كيفية معرفة الفرق بين هذه الحالات فهي تعلم بالخبرة والفراسة المكتسبة وقوة الملاحظة ، ومن خلال أخذ المعطيات عن حالة المريض بطرح بعض الأسئلة ، وسؤاله عن حقيقة معاناته وسبب مجيئه إلى العلاج . واحب أن أنبه إلى أن بعض المرضى لا يستطيعون أن يعبروا عما يعانون وذلك من شدة تأثير الشيطان عليهم ، وإذا كان البلاء يؤثر على العقل فمن الصعب الحصول على المعطيات الصحيحة من المريض نفسه لأنه إما لا يستطيع التعبير أو أنه يبتكر أعراضاً وأجوبة خلاف الواقع .
وسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
_________________
ما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبةالله
