| الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم
.
أيها
المسلمون: إن الإنسان جسدٌ وروحٌ، فكما يتأثر بالمادة وأسبابها من طعامٍ وشراب،
وحَرٍ وقَرٍ، وغذاءٍ ودواءٍ، فإنه يتأثر بالمؤثرات الروحية بإذن الله.
فالشيطان
وجنوده جعل الله لهم تسلطاً على بني آدم؛
وأخبر
نبيكم محمد
بل
إن هذا التأثير – أيها
الإخوة – منه ما هو وسوسةٌ وإيحاءٌ، ومنه ما هو
محسوسٌ وملموسٌ.
وتظهر
الوسوسات والإيحاءات في صورٍ وأحوالٍ من الدوافع والانفعالات ففي هاجس الفقر وحب
المال ومسالك الفحشاء:
حتى
انفعالات الغيرة النسائية أيتها الأخوات المسلمات للشيطان فيها نصيب. فحينما
افتقدت عائشة رضي الله عنها حبيبها محمداً
بل
إن الشيطان قد يبث المخاوف في النفس، ويهز القلوب بالقلق والحَزَن:
ويترقى
ذلك إلى بثِّ النزعات العدوانية:
أما
التأثير المحسوس الملموس فقد أخبر عليه الصلاة والسلام: ((أن كل بني آدم يطعن في جنبه بإصبعه حين يولد – أي بإصبع الشيطان))[7]. رواه البخاري، وقال أيضاً: ((إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي))[8] رواه
مسلم.
وهذه
الآثار – أيها الأحبة – معنويها وحسيها لها علاجها ووقايتها
إذا رزق العبد إرادة قوية مؤمنة متعلقة بربها واثقة به:
جيء
إلى النبي
واشتكى
ابن أبي العاص إلى النبي
وإذا
تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه فإن الشيطان يدخل[11]. وإذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر فإن الشيطان يبيت على
خيشومه[12].
إذا
كان الأمر كذلك – أيها
المسلمون – فلتعلموا أن الناس تختلف في ضعف
نفوسها، وقوة إرادتها، وصدق يقينها وتعلقها بربها، وقوة تأثير الوساوس عليها.
فأهل
الإيمان والتقوى:
وثمَّت
نفوس ذات تردد وتعجل، وقلة صبر وقلق، متسرعة في مواقفها، متقلبة في انفعالاتها،
تتعرض للمزعجات النفسية، والمقلقات الداخلية، يتلبسها الخوف والاضطراب، والعدوان
والغضب، ضعيفة الإبصار، مهتزة الجنان:
أيها
الأحبة: إن عقيدة المسلم في كتاب الله واضحة وفي سنة رسول الله بينة. القرآن
لهذه الأدواء هو الشفاء ولكنه لأهل الإيمان خاصة:
علاج
أدوائكم في قرآنكم وفي سنة نبيكم محمد
((وليس منا من تَطَيَّر أو تُطُيِّر له، أو تَكَهَّن أو تُكُهِّن
له، أو سَحَر أو سُحِر له))[16]، ((ومن أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد
وحصول
البرء والشفاء بيد الله وإذنه، فلا يأس من رَوح الله، ولا استبعاد لفرج الله، ((وعجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان
خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ولا يكون ذلك إلا لمؤمن))[18].
هذه
هي العقيدة وهذا هو المنهج، ولكن أين العقيدة من أناس خفافيش القلوب ضعاف النفوس
تعلَّقوا بالدجالين، ولحقوا بركاب المشعوذين؟ ضلُّوا في متاهات الكذب والكهانة،
فساد معتقدٍ، وضياع مالٍ، ودوام مرضٍ.
إنكم
تعلمون والمرضى يعلمون أنهم قلَّ ما يجدون عند هؤلاء الدجاجلة شفاء، ولكنهم قد
يجدون عندهم راحةً نفسية لفترة قصيرة، ثم لا يلبثون أن ينتكسوا إلى حالٍ أشد،
فلا شُفي لهم مريض، ولا ارتفعت عنهم حيرة. أضاع نفسه وخسر ماله، وهل سلم له
دينه؟
غرقوا
في دجل ومشعوذات وعُقَدٍ وهمهمات وعزائم وطلاسم وتلطخٍ بالنجاسات، في المقابر
والخربات وبيوت الخلاء، يعقدون الخيوط، وينفثون العُقَد، ويوقدون المباخر، ونعوذ
بالله من شر النفاثات في العقد. كثير منهم معالجون ذوو قلة في الديانة، وخبثٍ في
النفس، وشرٍ في العمل، وفتنة للذين في قلوبهم مرض.
ناهيك
بما يظهر من مخالفات في الدين بينة، في تكاسل عن الصلاة، وخلل في السلوك، وجرأة
على الحرمات، وأكل لأموال الناس بالباطل، وخلوات بالنساء محرمة، بل قد يباشر ما
لا يحل له من نظر ومـس.
إن
ضرر هؤلاء يتعاظم، وخطبهم يشتد، فحقٌ على أهل العلم والإيمان أن يشتد نكيرهم،
وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، فعلى ولاة أمور المسلمين أن
يُخلِّصوا هؤلاء الضعاف العامةً من أشباه الرجال والنساء والصبيان، يخلصوهم من
براثن الأفاكين الأكالين لأموال الناس بالباطل، عبدة الدرهم والدينار، الذين
ينازعون الله رب العالمين ما اختصَّ به من الربوبية وعلم الغيب، ويُضبط ذلك
وينظم بضوابط الشرع وما ينفع الناس.
ولقد
حمد كل صاحب سنةٍ ودين ما قام به ولاة أمور هذه البلاد وفقهم الله من متابعة
لهؤلاء المشعوذين[19] والدجالين،
وإنزال العقاب الرادع بهم بما تقضي به الشريعة المطهرة، سدد الله الخطى، وبارك
في الجهود وزادهم إحساناً وتوفيقاً وحفظ الله على أمة الإسلام دينها وحسن
معتقدها وأصلح بالها إنه سميع مجيب.
[3] ضعيف
جداً، أخرجه الطبراني في الكبير (2/1036)، والحاكم (4/313-314) وصححه، وتعقبه
الذهبي بقوله: إسحاق واهٍ، وعبد الرحمن هو الواسطي، ضعفوه . انظر السلسلة
الضعيفة للألباني (1065).
[4] صحيح،
صحيح البخاري: كتاب بدء الخلق – باب صفة إبليس وجنوده، حديث (3282)، صحيح مسلم:
كتاب البر والصلة والآداب – باب فضل من يملك نفسه عند الغضب... حديث (2610).
[7] صحيح،
صحيح البخاري: كتاب بدء الخلق – باب صفة إبليس وجنوده، حديث (3286)، وأخرجه
أيضاً مسلم: كتاب الفضائل – باب فضائل عيسى عليه السلام، حديث (2366).
[8] صحيح،
صحيح مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة – باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة
... حديث (542).
[9] حسن،
أخرجه أحمد (4/170) وابن أبي شيبة (31753) وفي إسناده عبد الرحمن بن عبد العزيز
وهو ليس بالمشهور، كما قال الحسيني . تعجيل المنفعة لابن حجر (ص 253).
محمد
بن مسلم المكي وهو مدلس، وقد عنعن. وأخرجه الطبراني في الأوسط (9112) من طريق
عبد الحكيم بن سفيان بن أبي نمر عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن جابر. وله
شاهد من حديث عثمان بن أبي العاص. أخرجه ابن ماجه (3548). قال البوصيري في الزوائد
(4/80): إسناده صحيح، رجاله ثقات. وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (2858)،
فالحديث حسن. وانظر مسند أحمد بتحقيق الأرناؤوط (29/91-92).
[11] صحيح،
أخرجه مسلم: كتاب الزهد والرقائق – باب تشميت العاطس وكراهة التثاؤب، حديث
(2995)، وأخرجه البخاري نحوه: كتاب الأدب – باب إذا تثاءب فليضع ... حديث
(6226).
[12] صحيح،
أخرجه البخاري: كتاب بدء الخلق – باب صفة إبليس وجنوده، حديث (3295)، ومسلم:
كتاب الطهارة – باب الإيثار في الاستنثار والاستجمار، حديث (238).
[14] صحيح،
أخرجه البخاري: كتاب الطب – باب ما أنزل الله داء ... حديث (5678)، ومسلم: كتاب
السلام – باب لكل داء دواء ... حديث (2204).
[15] صحيح،
مسند أحمد (1/377)، وأخرجه أيضاً الطبراني في الكبير (10331) والأوسط (2534)
والحاكم (4/196-197) وصححه، وذكره الحافظ في الفتح (10/135)، وصححه الألباني،
السلسلة الصحيحة (451).
[16] صحيح،
أخرجه البزار (3578)، والطبراني في الكبير (18/162)، وجوّد المنذري إسناد
البزار، وحسّن إسناد الطبراني. الترغيب (4/17)، وقال الهيثمي: رواه البزار
ورجاله رجال الصحيح . مجمع الزوائد (5/117). وصححه الألباني، السلسلة الصحيحة
(2195).
[17] صحيح،
أخرجه أحمد (2/429)، وأبو داود: كتاب الطب – باب في الكاهن، حديث (2904)،
والترمذي: كتاب الطهارة – باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض، حديث (135)، وابن
ماجه: كتاب الطهارة – باب النهي عن إتيان الحائض، حديث (639). وصححه الحاكم
(1/8). وذكره الهيثمي موقوفاً على ابن مسعود، ثم قال الهيثمي: رواه البزار
ورجاله رجال الصحيح، خلا هبيرة بن مريم، وهو ثقة. مجمع الزوائد (5/118). وجوّد
المنذري إسناد البزار، وحسّن إسناد الطبراني. الترغيب (4/17). وصححه الألباني .
إرواء الغليل (2006).
|
المصدر
|
عنوان الخطبة
|
الكهنة
والمشعوذون
|
||
|
اسم الخطيب
|
صالح
بن عبد الله بن حميد
|
||
|
رقم الخطيب
|
2
|
رقم الخطبة
|
46
|
|
اسم المسجد
|
المسجد
الحرام
|
تاريخ الخطبة
|
|

